ربما تكون التجارب التالية ليست شخصية ولكنها انعكاس
للواقع من حولي في أيام الطفولة والشباب فكما ذكرت سابقاً في الحلقة الاولي ان
النشأة كان في منطقة يحيط بها الكثير من الأحياء الشعبية هي المنطقة ذات الطابع
القديم التي تحوي موظفي وعمال الطبقة المتوسطة قد أجبرت هذه الظروف البيئية
والاجتماعية الشباب علي العمل المؤقت والنظر الي العديد من أنواع الحرف التي لم
تعد موجودة بشكل كبير الان او تم حصرها في اشكال اكثر تطوراً ويؤدي ايضاً إلي
الاهتمام بذلك النوع من الاقتصاديات .
هذه الحلقة ستكون بمثابة رؤيا حالمه واستعراض لذكريات قد
تكون طفولية أكثر منها اختصاصية والتحدث عن هذه الصور القديمة هذه المره ليس هدفه
إظهار الجانب غير المعلن من الاقتصاد او الخفي ولكن هي تأمل في ذكريات البركه
والدفء والأمان والأشكال البسيطة من الحياه علي عربة فاكهه كارو يجرها بغل او
سيارة معدنية وقدرة فول لكي نلمس جانب من ذكريات الطفولة أكثر منها سرد لقصة او
مقدمة لموضوع مقالي او بحثي
الصورة الاولي :
"عم رمزي الفكهاني" الذي دخل
بالعربة الكارو من او ل الشارع الس آخره هي عربة ذات عجلتين وايست من النوع ذو
الأربع عجلات مما يدل علي عسر الحال عالية عن الأرض يوجد عليها نفس الأنواع من
الفاكهة علي مدار السنين التي كان رمزي يدخل بها شارعنا سطحها مقسم الي أربعة اقسام
قسمين يوجد عليها اقفاص ومشنات الفواكه وقسم به الميزان ذو الكفتين والصنج
الحديدية والقسم الأخير تجلس عليه ابنته ذات الملابس الريفية ذات الألوان الزاهية
والبشرة التي لفحتها الشمس بعد التجول في الشوارع مع ابيها ظلت تكبر علي مدار
السنين أيضا ومازالت تجلس علي نفس الجزء من العربة وهي نفس السنين التي مرت علي
ابيها هذا الرجل الخمسيني الذي كان ينادي علي الفاكهة بصوت رنان ونغمات وكلمات
كأبيات الشعر "ولاتين يا بلح ولاعنب زيك" وهذا يدل ايضاً علي نوعية
الفواكه الرخيصة التي تتناسب و المناطق المتجول بها وتناسب رأس ماله البسيط يأتي
ويخرج من شارعنا يومياً يبيع لنفس البشر وبنفس المفاوضة والجدال كل يوم وهذه كانت
الصورة الاولي للبيع الجوال للرجل الذي ظل يقوم بنفس المهمة حتي اختفي من الصورة
من صور أكل العيش لأصحاب العربات الكارو والجلابيب الفلاحي الذي يأتي الي الاحياء
المتوسطة لكسب الرزق الصورة التي توجد في بلادنا من مئات السنين ومستمرة بعد زمن
"عم رمزي الفكهاني" بكثير
الصورة الثانية :
تقريباً هي تكرار للصورة السابقة من شكل
العربة ولكنها هذه المرة عربة فول "عم رضوان" هو رجل قصير ممتلئ يبيع
الفول والبليلة في الصباح الباكر بالعربة التي عليها قدر الفول يجرها هذا الحمار
الأصيل الذي ظل معه حتي نهاية حياته نفس المظهر الريفي بالجلباب بالرغم من انه
يقطن في الحي المجاور حي بين السرايات في منزل بناه من كده ومجهوده في بيع هذا
المنتج الأساسي لحياه الطبقة المتوسطة يدخل الشارع لينادي "الفوووووول
....... البليلة البليلةالبليلة" ولكن هذه المرة صوت بدون نغم أجش ومنفر بعض
الأحيان يبيع الفول والبليلة في الصباح الباكر للأمهات اللاتي يخرجن بسرعة لشرائها
قبل النفاذ ويبيع مشروب مياه الفول في اكواب للأطفال المستيقظين قبل دخوله الي
الشارع
ظل هذا الرجل على نفس الوضع مدار سنوات كثيرة
طويلة حتي توارث أبنائه نفس المهنة ظلت هذه المؤسسة المكونة من العربة والحيوان
والقدور المملؤة بالفول وصاحبها علي مدار جيل كامل حتي اللحظة بدون أي تغيير
الصورة الثالثة :
هي الصورة الاكمل للرجل الاسكافي بالمعني القديم عصر ما
قبل الحداثة وليس ما يطلق عليه الان "الجزمجي" بالعامية المصرية فهو رجل
في العقد السابع من العمر يرتدي ملابس أشبة بملابس الاعراب عليها سترة بدون اكمام
وبها جيوب كثيرة وعلي رأسه عمامه ولحيه بيضاء طويلة وكثيفة مظهر يليق بأحد الحكماء
في البادية وليس إسكافي لذا ولاني لا اذكر اسمه سنطلق عليه اسم "عم
سليمان"
يمشي بهدوء يحمل علي كتفه شنطة العدة وظهره المنحني ليركن
علي الحائط صاحب الظل ويدق سندانه في ارض الشارع التي لم تكن تعرف الاسفلت بعد
ليقوم بأستقبال الزبائن وأحذيتهم كل العدد يديوية من اول السندان حتي المخرز او
أبرة الاسكافي وقطع الجلود والنعال متناثرة حوله في ضوء الشمس لا أعرف ما هو مصيرة
الان ولا حتي مصيرة منذ سنين طويلة ولا اعلم له تطورا في الصورة غير ذلك إلا انني
أذكر عندما كنت ألتف حوله مع مجموعة من الأطفال يقوم بتفريقنا بطريقة مرحة ويقول
"روحوا العبوا استغماية" وتذهب شمس النهار ويلملم أدواتة ويذهب الي
اللاشئ
كان مثالاً او نموذجاً يعيش في زمن متقدم علي زمنه
الحقيقي كان متقنً لعمله برغم سنه ومع انه بالنسبة لي صورة من الماضي الا انه أتي
من زمن أبعد من هذا الماضي خاصتي
الصورة الرابعة :
هي صورة اقرب الي الصورة السابقة مع الاختلاف في نوع
الصنعة وسن الصنايعي كان شاباً ثلاثينياً يقوم بإصلاح "بواجير الجاز" او
"بوابير الجاز" كما يطلق عليها الشعبيون ولكن التشابه في نفس الدأب
والصبر والعدد اليدوية واليدين المطليتان بالسواد من العمل في هذا الجهاز المتسخ
ويقوم ايضاً بالجلوس علي الأرض وينصب مسرح العابه ليقوم بإستقبال الزبائن
تشكل الفوضى علي الأرض من صوت "بشبوري اللحام"
وقطع النحاس والبواجير تحت الصيانه حوله صورة زيتية من الجهد والكد والعمل في اقسي
الظروف حتي يرجع الموقد الذي يعمل بالكيروسين التالف الي ازهي صورة بعد ان تلامسه
تلك الأصابع المتسخه كأنها يد نحات يقوم بإعادة تشكيل الطين لصنع تمثال جميل
الصورة الخامسة :
"أسن السكينة ..... أسن المقص" تلك
كانت كلمات النداء عندما يدخل صاحب الدولاب الدوار بالقوة العضلية ليقوم بتدوير
حجر المسن لشحذ أداوت الطبخ والمقصات لسيدات الحي.
لم تكن قد ظهرت فكرة استخدام القوة الكهربية
في تدوير هذه الاله بالموتور كما هو في عصرنا الحالي فكان الرجل يقوم باستخدام
كامل اطرافه ليقوم بعملية السن يدين تقومان بتمرير النصل علي الحجر ورجل تقوم
بتدوير العجلة الكبيرة والأخرى للثبات على الأرض قمة فنون القتال ولكنها فن قتالي
من اجل أكل العيش
الصورة السادسة :
لم أكن أعلم ولا زلت لا أعلم معني كلمة
النداء التي كان يقولها دافع الدراجة ذات الثلاث عجلات التي تحمل الهيكل الخشبي
على شكل أوزه في وسطه آنية بها مثلجات او "الايس كريم" او
"الجيلاتي"
كان في القديم ينادي على "الايس
كريم" الي ان تحول في كبري وكنت أدرس في الجامعة الي مصدر إزعاج لاستبداله
النداءات العزبة بأصوات الأغاني الصاخبة ثم تحول الي المهرجانات هذه الأيام الأكثر
صخباً وضجيجاً ولكن ما هو أصيل في هذه المهنة انها لم يختلف شكلها او حتى شكل
الأداة التسويقية لها نفس العربات البيضاء علي ثلاث عجلات ونفس الأطعمة والنكهات "مانجو
–فراولة – شكولاتة– فانيلا" لا أكثر ولا أقل والبسكويت الهش علي شكل مخروط
يحمل هذا المتهاوي تحت حرارة الصيف
كان شراؤه مقدساً لدينا كل يوم لا يمكن ان
نفوت ها الطقس الفرعوني القديم
الصورة السابعة :
كنت صغيراً انظر الي هذه الصورة بتعجب نظرة
الناقد كيف لهذا الرجل صاحب الجلباب الصعيدي أن يقوم بحملته التسويقية لغزل البنات
بهذه الصورة المبدعة؟
كان ذلك في أحد شوارع منطقة إمبابه الضيقة
حيث يمر هذا الرجل بغزل البنات وليلتف حولة البنين والبنات وتقوم هذه الحملة
الاعلانية علي ترديد أسماء الأطفال من حولة كما يلي : "يوسف واااحدة" و
"علي واااحدة" ويقوم الأطفال بتقديم أسمائهم لذكرها في هذه السنفونيةويكانهم
يسمعون أسمائهم في إذاعة الشرق الأوسط ويظل يردد الأسماء "و محمد
واااحدة" "و احمد واااحدة" " و فاطمه واااحدة" ويمكن ان
يمر ولا يبيع أي واحدة ولكن تظل الابتسامة علي وجهه تجاه هؤلاء الأطفال وفرحته
لالتفافهم حوله واهتمامهم بظهورهم الإذاعي الأول لطفولتهم البريئة وترديد أسمائهم
في الفضاء حتي لو كان هذا الفضاء هو شارع ضيق في منطقة شعبية
الصورة الثامنة :
الصورة الأخيرة ليست من الماضي او من
الذكريات ولكنها من الحاضر صورة تجميع وامتداد لما سبق من هذه الصور حيث تقول ان
ما تقدم هو اللبنة الاولي والأساسية لصور هذا النوع من الاقتصاد لصور هذا النوع من
الاقتصاد بشكله الحالي ونسبة إسهامه في الاقتصاد الكلي
نفس الحرف والمهن هي التي تشكل اقتصاد الظل
في مجتمعنا مع تطور الأدوات والاشكال وتدهور الاخلاقيات والمعاملات وزيادة
المنتجات علي حساب الاتقان وغياب كبير للأصالة التي كانت موجودة في هذه الحرف
والمهن واختفاء بعضها بالكلية
الصورة الأخيرة التي تقول ان الاقتصاد الخفي
مازال يقوم على أكتاف هؤلاء الذين يقومون بالعمل بدون النظر الي المظهر الخارجي او
السن او المكان او نوعية المنتج او الخدمة الواقفين على خط مستقيم لا اعوجاج فيه
طوال السنوات بنفس الأسلوب بشيء من التطوير لمجاراة العصر
الصورة الأخيرة التي تثبت أن هذا الاقتصاد ذو
أصول تاريخية منذ سنوات حتى في وجدان الجيل الأخير وقبل الأخير والتي قامت على
قواعده على مر السنين ما نراه الان م الاقتصاديات الغير معلنه والخفية والتي تتشكل الان في شكل هرمي من اول المؤسسات
الغير معلنه حتي الباعة السريحة في شوارع وميادين مصر
الصورة الأخيرة والكلمة الأخيرة التي تصدر من
البائع المتجول لتصب في جيبه بعض الجنيهات وتتجمع صعوداً حتىتصب في مصب نهر
الاقتصاد الغير معلن الذي اثبتت الصور السابقة انه ما الا صورة من صور أكل العيش