قوام سداد الحكم في مجال الأعمال هو العثور على الحقائق والأحوال الخاصة بالتقنية والسوق، وما شابهها، والتعرف عليها في صورها المتغيرة باستمرار. إن سرعة التغيير التقني الحديث يجعل البحث عن الحقائق سمة ضرورية على الدوام.
الفريد ب. سلون:
" سنواتي مع جنرال موتورز"
ليّ معتقد بسيط لكنه قوي وهو أن الطريقة الأجدى لتمييز شركتك عن منافسيك، الطريقة الأفضل لوضع مسافة بينك وبين المتزاحمين، هو أن تفعل بالمعلومات شيئاً ممبزاً. إن الكيفية التي بها تَجمع المعلومات وتعللجها وتستعملها سوف تحدد ما إذا كنت من الفائزين أم الخاسرين. هناك الكثير من المنافسين. هناك الكثير من المعلومات المتاحة عنهم وعن السوق.. والذي هو الآن عالمي. سيكون الفائزون هم أولئك الذين يطورون نظاماً عصبياً رقمياً عالمياً يتيح للمعلومات أن تتدفق بسهولة خلال شركاتهم من أجل التعلم الأمثل والدائم.
كأني بك ترد: كلا، بل إن الفيصل هو العمليات الكفؤة! هو الجودة! هو شهرة الصنف والسعى وراء الحصة السوقية! هو الاقتراب من العملاء! بالطبع يعتمد النجاح على كل هذه الأشياء؛ فما من أحد يستطيع مساعدتك
إذا كانت عملياتك متعثرة .. إذا لم تكن يقظاً بشأن النوعية .. إذا لم تعمل جاهداً لتوطيد صنفك .. إذا كانت خدمتك للعملاء دون المستوى. إن الاستراتيجية السيئة ستفشل مهما كانت جودة معلوماتك، كما أن التنفيذ الأعرج يحبط الاستراتيجية الجيدة. إنك إذا أسأت أداء ما يكفي من الأشياء فسيكون مآلك الخروج من ساحة الأعمال.
ولكن مهما كان ما تتمنع به اليوم ـ موظفين حاذقين، منتجات ممتازة، رضا العملاء، سيولة نقدية في المصرف ـ فإنك تحتاج إلى تدفق سريع من المعلومات الجيدة لتسليس العمليات والارتقاء بالنوعبة وتحسين تنفيذ الأعمال. معظم الشركات لديها أناس جيدون يعملون لها ومعظم الشركات تريد فعل ما يرضى عملائها. ثمة بيانات مجدية موجودة في مكان ما داخل أغلب المؤسسات. إن تدفق المعلومات هو قِوام حياة شركتك لأنه يساعدك على استخلاص أفضل ما لدى عامليك والتعلم من عملاءك. انظر إذا كانت لديك المعلومات اللازمة للإجابة على هذه الأسئلة:
l ما رأي عملاءك في منتجاتك؟ ما هي المشاكل التي يطالبونك بحلها؟ وما هي السمات الجديدة التي يطالبونك بإضافتها؟
l ما هي المشاكل التي يلاقيها موزعوك وبائعوك أثناء بيع منتجاتك أو أثناء عملهم معك؟
l أين يكسب منافسوك أعمالاً منك، ولماذا؟
l هل متطلبات العملاءالمتغيرة تدفعك إلى تطوير مقدرات جديدة؟
l ماهي الأسواق الجديدة الناشئة التي ينبغي لك أن تدخلها؟
لن يضمن لك جهاز عصبي رقمي الإجابات المناسبة على هذه الأسئلة وإنما سيخلصك من أطنان من العمليات الورقية القديمة حتى يكون لديك الوقت أمام ناظريك كى تتمكن من رؤية الاتجاهات وهى مقبلة عليك. من شأن جهاز عصبي رقمي أيضاً أن يجعل من الممكن ظهور الحقائق والأفكار سريعاً من أسفل في مؤسستك.. من اؤلئك الذين لديهم معلومات عن هذه الأسئلة ـ وربما العديد من الأجوبة. والأهم من هذا وذلك هو أنه سيساعدك في القيام بكل هذه الأشياء على جناح السرعة.
إلإجابة على الأسئلة الصعبة
تقول نكتة قديمة في مجال الأعمال إن السكك الحديدية لو أدركت أنها تنتمي إلى مجال النقل وليس إلى مجال قضبان الصلب لكنا الآن طائرين على متن خطوط "يونيون باسيفيك" الجوية. هناك منشآت عمل عديدة قامت بتوسيع مهامها أو تغييرها بطرق أشد جوهرية من هذه؛ فصانعة غير موفقة لأول مطهاة أرز كهربائية في اليابان تتطورت للتصبح شركة سوني، إحدى متصدرات العالم في الإلكترونيات الاستهلاكية والتجارية وفي صناعتى الموسيقى والأفلام. وثمة شركة بدأت بصنع آلات لحام وأجهزة استشعار ممرات البولينغ وآلات تخفيض الوزن ثم انتقلت إلى مرسمات التذبذب والحواسيب لتصبح ما نعرفه اليوم بـ"هويليت باكارد". لقد تتبعت هذه الشركات السوق فأحرزت نجاحاً خارقاًً، ولكن معظم الشركات لا تستطيع فعل ذلك.
بل حتى لو نظرت إلى مجال عملك الحالي فليس من الواضح دائماً أين تكون فرصة النمو التالية. تتمتع شركة ماكدونالز في عالم الوجبات السريعة المضطرب بأقوى اسم صنف وأكبر حصة سوقية وسمعة طيبة من ناحية النوعية، ولكن أحد محللي السوق اقترح مؤخراً أن تبدّل ماكدونالدز نمط عملها؛ فقال مشيراً إلى اهتمام الشركة أحيانا بانتاج دُمى مستوحاة من الأفلام السينمائية إن على ماكدونالدز أن تسنخدم سندوتشات الهامبيرجر ذات الهامش المنخفض لتبيع خطاً من دمى ذات هامش مرتفع عوضاً عن االقيام بالعكس. ومع أن تغييراً كهذا أمر مستبعد لكنه ليس مما لا يمكن التفكير فيه في عالم الأعمال الراهن المتغير سريعاً.
العبرة المهمة هنا هى الأ تأخذ شركة موضعها في السوق كأمر مسلم به، بل عليها أن تعيد التقييم باستمرار. فرب شركة ستحقق فتحاً مبيناً في مجال آخر من مجالات الأعمال ورب أخرى ستجد أنها ينبغي أن تلزم ما تجيد معرفته والقيام به. والشيء الأهم هو أن تكون لدى مدراء الشركة المعلومات اللازمة لفهم مزيتهم التنافسية وماهية سوقهم الكبير التالي.
سوف يساعدك هذا الكتاب على استعمال تقنية المعلومات لتوجيه الأسئلة الصعبة وكذلك للإجابة عليها بشأن ماذا ينبغي أن تكون أعمالك وأين ينبغي لها أن تذهب. تتيح لك تقنية المعلومات الحصول على البيانات التي تؤدي إلى الفهم النافذ لأعمالك. إنها تمكّنك من التصرف بسرعة، وتتيح حلولاً لمشاكل العمل لم تكن ببساطة متوفرة من قبل. إن تقنية المعلومات والأعمال تصبحان الآن مترابطين ترابطاً لا فكاك منه. ولا أعتقد أن أي شخص يمكن أن يتحدث حديثاً ذا معنى عن أحدهما بدون أن يتحدث عن الآخر.
اتخاذ نهج موضوعي قائم على الحقائق
الخطوة الأولى في الإجابة على أي سؤال صعب متعلق بالأعمال هى اتخاذ نهج موضوعي قائم على الحقائق. هذا المبدأ، الأسهل قولاً عن العمل به، موضح في كتاب الأعمال الذي أفضله: "سنواتي مع جنرال موتورز" لألفريد ب. سلون، الابن. إذا كنت تقرأ كتاباً واحداً عن الأعمال فعليك بكتاب سلون (ولكن لا تترك هذا الذي في يدك لتفعل ذلك). إن من الملهم أن يرى المرء في رواية سلون عن حياته العملية كيف أن القيادة الإيجابية الرشيدة المركزة على المعلومات يمكن أن تقود إلى نجاح ساحق.
أثناء فترة إدارة سلون التي امتدت من 1923 إلى 1956 أصبحت جنرال موتورز إحدى أوائل مؤسسات الأعمال المعقدة حقاً في الولايات المتحدة. لقد فهم سلون أن أى شركة لا يمكنها تطوير استراتيجية كاسحة أو الاضطلاع بمشروعات مناسبة دون أن تبني على حقائق ورؤى من الأشخاص في المؤسسة. وقد طوّر فهمه الخاص به للأعمال من تعاونه الشخصي اللصيق مع الفنيين واختصاصي الأعمال من معاونيه وبزياراته الشخصية المنتظمة لمرافق الشركة الفنية، غير أن تأثيره االأكبر كمدير جاء من الطريقة التي أقام بها علاقات عمل مع موزعي جنرال موتورز على امتداد القطر؛ فقد دأب على جمع معلومات من موزعي جنرال موتورز وأنشأ معهم علاقات وثيقة مثمرة.
استفاد سلون كثيراً من رحلات لتقصي الحقائق. لقد أعد ّعربة خصوصية من عربات السكة الحديد كمكتب له وجاب كل أرجاء البلاد زائراً موزعي الشركة، وكان في الغالب يلتقي ما بين خمسة وعشرة منهم يومياً. كان يريد أن يعرف ليس فقط ما تبيعه جنرال موتورز للموزعين بل وما يباع من الحصص المخصصة لهم. وقد ساعدت هذه الزيارات سلون على أن يدرك في أواخر العشرينيات أن الأعمال في مجال السيارات آخذة في التغيير؛ فالسيارات المستعملة باتت الآن وسيلة المواصلات الأساسية، وبات المشترون من ذوي الدخل المتوسط يبتاعون سيارات جديدة أفخر بفضل نظم البيع بالتقسيط والمقايضة الجزئية [شراء سيارات جديدة بقديمة مع دفع الفرق]. أدرك سلون أن هذا التغيير يعني أن لب علاقة جنرال موتورز بالموزعيين يجب أن يتغير أيضاً بانتقال الأعمال في مجال السيارات من مسألة بيع إلى متاجرة. لقد بات على الصانع والموزع تطوير علاقة أشبه بالشراكة. قام سلون بإنشاء مجلس موزعين يتقابل بانتظام مع كبار تنفيذيي جنرال موتورز بمقر الشركة، كما أنشأ هيئة لشؤون الموزعين تتولى شكاوى المزعين وأجرى دراسات اقتصادية لتحديد أفضل المواقع لإقامة مراكز توزيع جديدة، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك بإرساء سياسة مفادها المجازفة بتمويل أكفاء الرجال ممن لم يكن لديهم رأس مال جاهز لإنشاء مراكز توزيع.
بيد أن المعلومات الدقيقة بشأن المبيعات ظلت عسيرة المنال؛ فقد كانت أرقام مبيعات جنزال موتورز غير متسقة وغير مستحدثة وناقصة. كتب سلون: "عندما كان الموقف الربحي للموزع يعتل لم يكن أمامنا سبيل لمعرفة ما إذا كان ذلك بسبب مشكلة سيارة جديدة أم مشكلة سيارة مستعملة أم مشكلة خدمة أم مشكلة قطع غيار أم مشكلة أخرى. وبدون حقائق كهذه كان من المستحيل وضع أي سياسة توزيع سليمة موضع التنفيذ." قال سلون إنه كان على استعداد لأن يدفع "مبلغاً ضخماً" ويحس بأنه "محق تماماً في ذلك" إذا كان كل موزع "يستطيع معرفة الحقائق المتعلقة بأعماله ويتعامل مع التفاصيل العديدة… بطريقة ذكية". كان سلون يعتقد أن مساعدة الموزعين في مسائل المعلومات هذه "سيكون أفضل استثمار قامت به جنرال موتورز إطلاقاً".
من أجل مواجهة هذه الإحتياجات وضع سلون نظاماً قياسياً للمحاسبة على نطاق جنرال موتورز وكل مراكز توزيعها. والكلمة المهمة هنا هي كلمة "قياسي"؛ فكل موزع وكل مستدخَم على كل مستوى في الشركة كان يصنِّف الأرقام بنفس الطريقة تماماً. وبحلول منتصف الثلاثينيات بات بوسع موزعي جنرال موتورز وأقسامها الخاصة بالسيارات ومكاتبها الرئيسية اأن تقوم جميعاً بتحليل مالي مفصَّل باستعمال نفس الأرقام. فمثلاً كان باستطاعة مركز للتوزيع أن يقيس ليس فقط أداءه هو بل أداءه إزاء متوسطات المجموعات الأخرى.
لقد كان من شأن بنية تحتية أتاحت معلومات دقيقة أن أدت إلى مؤسسة متجاوبة لم تستطع الشركات الأخرى لصناعة السيارات أن تدانيها مثيلاً لعقود من الزمان. ساهمت تلك البنية التحتية، التي أسميها "جهاز الشركة العصبي"، في هيمنة جنرال موتورز على صناعة السيارات طوال حياة سلون المهنية. ولم تكن حينذاك رقمية بعدُ إلا أنها كانت ثمينة للغاية. كانت معرفة مخزون الموزع أمراً تجيده جنرال موتورز أكثر من غيرها، وقد نالت جنرال موتورز مزية تنافسية هائلة من استغلال تلك المعلومات. وتجاوزت هذه الاستفادة من المعلومات جدران جنرال موتورز؛ فقد استعملت جنرال موتورز نظم معلومات كُتيبية لبناء أول "اكسترانيت"ـ شبكة تربط الشركة بمورديها وموزعيها.
بالطبع لم يكن في إمكانك الحصول على معلومات تتدفق خلال شركتك آنذاك بمثل الكم الذي يمكنك الحصول عليه الآن؛ فالأمر كان سيقتضي مكالمات هاتفية جد كثيرة وأناساً جد كثيرين يتناقلون أوراقاً وينكبون على سجلات ورقية محاولين الربط بين البيانات والعثور على الأنماط. كان ذلك سيكلف باهظاً. وإذا أردتَ اليوم إدارة شركة ذات مستوى عالمي فعليك أن تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير وتنجز بأسرع من ذلك بكثير. إن الإدارة بقوة الحقائق ـ والتي هو أحد أساسيات الأعمال لدى سلون ـ تتطلب تقنية المعلومات. لقد تغير تغييراً درامياً ما تطيق الشركات القيام به وما ترى أنه يستحق القيام به وما بمقدورها تنافسياً القيام به.
تستعمل جنرال موتورز الآن تقنية الحاسوب الشخصي ومقاييس الإنترنت للاتصال بعملائها؛ فحلها المتمثل في منظومتها المسماة "جي ام أكسس" يستعمل شبكة للشركة واسعة النطاق تستخدم الأقمار الصناعية للتعامل بين مقر الشركة ومصانعها وموزعيها البالغ عددهم 9000، والذين لديهم أجهزة متصلةعلى الخط الإلكتروني ((online لأغراض الإدارة المالية والتخطيط التشغيلي بما في ذلك إدارة الطلبات الإجمالية وتحليل المبيعات والتنبؤ بها. وتقوم أداة بيع تفاعلية بالجمع بين سمات المنتجات ومواصفاتها وتسعيرها وغيرها من المعلومات. ويحظى فنيو خدمة المنتجات بوصول فوري إلى أحدث المعلومات عن المنتجات وقطع الغيار من خلال كتيبات الخدمة الإلكترونية والنشرات الفنية وتخطيط قطع الغيار وإعداد تقارير المخزون على الخط الحاسوبي. يربط البريد الإلكتروني الموزعين بمقر جنرال موتورز ومصنعها وببعضهم بعضاً. يتم دمج الحل الذي يأتي به الموزع الخاص في موقع جنرال موتورز العام على الإنترنت حيث يجد العملاء معلومات تفصيلية عن السيارات. توفر تقنيات الإنترنت الأساس لتحول جوهري في الطريقة التي بها يتسوّق المستهلكون السيارات، فلا غرو أنهم يضعون جنرال موتورز كهدف للتجارة الإلكترونية. وبالطبع عمدت شركات صناعة السيارات الأخرى كذلك إلى تحسين أنظمة معلوماتها؛ فتويوتا تحديداً استخدمت تقنية المعلومات لتطوير انتاج صناعي على مستوى عالمي.
تمييز شركتك في عصر المعلومات
إذا كانت إدارة المعلومات واستجابة المؤسسة قد أحدثتا مثل هذا الاختلاف في صناعة تقليدية من ذات المداخن قبل سبعين سنة فأي تمييز أكثر ستُحدثانه مدفوعتين بالتقنية؟ قد يكون لأي شركة حديثة لصناعة السيارات اسم تجاري قوي وسمعة لنوعية جيدة في يومنا هذا ولكنها تواجه منافسة أكبر فأكبر على امتداد العالم. إن كل شركات صناعة السيارات تستعمل نفس الصلب ولها نفس آلات الثقب وتقريباً طرق انتاج متماثلة كما أن لها نفس تكاليف النقل. تقوم الشركات الصانعة للسيارات بتمييز أنفسها عن غيرها بمجموع من العوامل تتمثل في مدى جودة تصميمها لمنتجاتها ومدى ذكائها في استغلال التذية المرتدة من العملاء لتحسين منتجاتها وخدماتها ومدى سرعتها في تحسين عملياتها الانتاجية ومدى مهارتها في تسويق منتجاتها ومدى كفاءتها في التوزيع وفي إدارة مخزوناتها.. وكل هذه العمليات الغنية بالمعلومات تستفيد من العمليات الرقمية.
تتجلى قيمة النهج الرقمي بصفة خاصة في الأعمال المتركزة حول المعلومات مثل المصارف وشركات التأمين؛ ففي مجال المصارف نجد أن البيانات الخاصة بعلاقات العملاء وتحليل الاعتمادات هي في قلب العمل المصرفي وقد ظلت المصارف دائماً أكبر مستخدمي تقنية المعلومات في عصر الإنترنت، ولكن في عصر الإنترنت والتحرير المتزايد للأسواق المالية
الفريد ب. سلون:
" سنواتي مع جنرال موتورز"
ليّ معتقد بسيط لكنه قوي وهو أن الطريقة الأجدى لتمييز شركتك عن منافسيك، الطريقة الأفضل لوضع مسافة بينك وبين المتزاحمين، هو أن تفعل بالمعلومات شيئاً ممبزاً. إن الكيفية التي بها تَجمع المعلومات وتعللجها وتستعملها سوف تحدد ما إذا كنت من الفائزين أم الخاسرين. هناك الكثير من المنافسين. هناك الكثير من المعلومات المتاحة عنهم وعن السوق.. والذي هو الآن عالمي. سيكون الفائزون هم أولئك الذين يطورون نظاماً عصبياً رقمياً عالمياً يتيح للمعلومات أن تتدفق بسهولة خلال شركاتهم من أجل التعلم الأمثل والدائم.
كأني بك ترد: كلا، بل إن الفيصل هو العمليات الكفؤة! هو الجودة! هو شهرة الصنف والسعى وراء الحصة السوقية! هو الاقتراب من العملاء! بالطبع يعتمد النجاح على كل هذه الأشياء؛ فما من أحد يستطيع مساعدتك
إذا كانت عملياتك متعثرة .. إذا لم تكن يقظاً بشأن النوعية .. إذا لم تعمل جاهداً لتوطيد صنفك .. إذا كانت خدمتك للعملاء دون المستوى. إن الاستراتيجية السيئة ستفشل مهما كانت جودة معلوماتك، كما أن التنفيذ الأعرج يحبط الاستراتيجية الجيدة. إنك إذا أسأت أداء ما يكفي من الأشياء فسيكون مآلك الخروج من ساحة الأعمال.
ولكن مهما كان ما تتمنع به اليوم ـ موظفين حاذقين، منتجات ممتازة، رضا العملاء، سيولة نقدية في المصرف ـ فإنك تحتاج إلى تدفق سريع من المعلومات الجيدة لتسليس العمليات والارتقاء بالنوعبة وتحسين تنفيذ الأعمال. معظم الشركات لديها أناس جيدون يعملون لها ومعظم الشركات تريد فعل ما يرضى عملائها. ثمة بيانات مجدية موجودة في مكان ما داخل أغلب المؤسسات. إن تدفق المعلومات هو قِوام حياة شركتك لأنه يساعدك على استخلاص أفضل ما لدى عامليك والتعلم من عملاءك. انظر إذا كانت لديك المعلومات اللازمة للإجابة على هذه الأسئلة:
l ما رأي عملاءك في منتجاتك؟ ما هي المشاكل التي يطالبونك بحلها؟ وما هي السمات الجديدة التي يطالبونك بإضافتها؟
l ما هي المشاكل التي يلاقيها موزعوك وبائعوك أثناء بيع منتجاتك أو أثناء عملهم معك؟
l أين يكسب منافسوك أعمالاً منك، ولماذا؟
l هل متطلبات العملاءالمتغيرة تدفعك إلى تطوير مقدرات جديدة؟
l ماهي الأسواق الجديدة الناشئة التي ينبغي لك أن تدخلها؟
لن يضمن لك جهاز عصبي رقمي الإجابات المناسبة على هذه الأسئلة وإنما سيخلصك من أطنان من العمليات الورقية القديمة حتى يكون لديك الوقت أمام ناظريك كى تتمكن من رؤية الاتجاهات وهى مقبلة عليك. من شأن جهاز عصبي رقمي أيضاً أن يجعل من الممكن ظهور الحقائق والأفكار سريعاً من أسفل في مؤسستك.. من اؤلئك الذين لديهم معلومات عن هذه الأسئلة ـ وربما العديد من الأجوبة. والأهم من هذا وذلك هو أنه سيساعدك في القيام بكل هذه الأشياء على جناح السرعة.
إلإجابة على الأسئلة الصعبة
تقول نكتة قديمة في مجال الأعمال إن السكك الحديدية لو أدركت أنها تنتمي إلى مجال النقل وليس إلى مجال قضبان الصلب لكنا الآن طائرين على متن خطوط "يونيون باسيفيك" الجوية. هناك منشآت عمل عديدة قامت بتوسيع مهامها أو تغييرها بطرق أشد جوهرية من هذه؛ فصانعة غير موفقة لأول مطهاة أرز كهربائية في اليابان تتطورت للتصبح شركة سوني، إحدى متصدرات العالم في الإلكترونيات الاستهلاكية والتجارية وفي صناعتى الموسيقى والأفلام. وثمة شركة بدأت بصنع آلات لحام وأجهزة استشعار ممرات البولينغ وآلات تخفيض الوزن ثم انتقلت إلى مرسمات التذبذب والحواسيب لتصبح ما نعرفه اليوم بـ"هويليت باكارد". لقد تتبعت هذه الشركات السوق فأحرزت نجاحاً خارقاًً، ولكن معظم الشركات لا تستطيع فعل ذلك.
بل حتى لو نظرت إلى مجال عملك الحالي فليس من الواضح دائماً أين تكون فرصة النمو التالية. تتمتع شركة ماكدونالز في عالم الوجبات السريعة المضطرب بأقوى اسم صنف وأكبر حصة سوقية وسمعة طيبة من ناحية النوعية، ولكن أحد محللي السوق اقترح مؤخراً أن تبدّل ماكدونالدز نمط عملها؛ فقال مشيراً إلى اهتمام الشركة أحيانا بانتاج دُمى مستوحاة من الأفلام السينمائية إن على ماكدونالدز أن تسنخدم سندوتشات الهامبيرجر ذات الهامش المنخفض لتبيع خطاً من دمى ذات هامش مرتفع عوضاً عن االقيام بالعكس. ومع أن تغييراً كهذا أمر مستبعد لكنه ليس مما لا يمكن التفكير فيه في عالم الأعمال الراهن المتغير سريعاً.
العبرة المهمة هنا هى الأ تأخذ شركة موضعها في السوق كأمر مسلم به، بل عليها أن تعيد التقييم باستمرار. فرب شركة ستحقق فتحاً مبيناً في مجال آخر من مجالات الأعمال ورب أخرى ستجد أنها ينبغي أن تلزم ما تجيد معرفته والقيام به. والشيء الأهم هو أن تكون لدى مدراء الشركة المعلومات اللازمة لفهم مزيتهم التنافسية وماهية سوقهم الكبير التالي.
سوف يساعدك هذا الكتاب على استعمال تقنية المعلومات لتوجيه الأسئلة الصعبة وكذلك للإجابة عليها بشأن ماذا ينبغي أن تكون أعمالك وأين ينبغي لها أن تذهب. تتيح لك تقنية المعلومات الحصول على البيانات التي تؤدي إلى الفهم النافذ لأعمالك. إنها تمكّنك من التصرف بسرعة، وتتيح حلولاً لمشاكل العمل لم تكن ببساطة متوفرة من قبل. إن تقنية المعلومات والأعمال تصبحان الآن مترابطين ترابطاً لا فكاك منه. ولا أعتقد أن أي شخص يمكن أن يتحدث حديثاً ذا معنى عن أحدهما بدون أن يتحدث عن الآخر.
اتخاذ نهج موضوعي قائم على الحقائق
الخطوة الأولى في الإجابة على أي سؤال صعب متعلق بالأعمال هى اتخاذ نهج موضوعي قائم على الحقائق. هذا المبدأ، الأسهل قولاً عن العمل به، موضح في كتاب الأعمال الذي أفضله: "سنواتي مع جنرال موتورز" لألفريد ب. سلون، الابن. إذا كنت تقرأ كتاباً واحداً عن الأعمال فعليك بكتاب سلون (ولكن لا تترك هذا الذي في يدك لتفعل ذلك). إن من الملهم أن يرى المرء في رواية سلون عن حياته العملية كيف أن القيادة الإيجابية الرشيدة المركزة على المعلومات يمكن أن تقود إلى نجاح ساحق.
أثناء فترة إدارة سلون التي امتدت من 1923 إلى 1956 أصبحت جنرال موتورز إحدى أوائل مؤسسات الأعمال المعقدة حقاً في الولايات المتحدة. لقد فهم سلون أن أى شركة لا يمكنها تطوير استراتيجية كاسحة أو الاضطلاع بمشروعات مناسبة دون أن تبني على حقائق ورؤى من الأشخاص في المؤسسة. وقد طوّر فهمه الخاص به للأعمال من تعاونه الشخصي اللصيق مع الفنيين واختصاصي الأعمال من معاونيه وبزياراته الشخصية المنتظمة لمرافق الشركة الفنية، غير أن تأثيره االأكبر كمدير جاء من الطريقة التي أقام بها علاقات عمل مع موزعي جنرال موتورز على امتداد القطر؛ فقد دأب على جمع معلومات من موزعي جنرال موتورز وأنشأ معهم علاقات وثيقة مثمرة.
استفاد سلون كثيراً من رحلات لتقصي الحقائق. لقد أعد ّعربة خصوصية من عربات السكة الحديد كمكتب له وجاب كل أرجاء البلاد زائراً موزعي الشركة، وكان في الغالب يلتقي ما بين خمسة وعشرة منهم يومياً. كان يريد أن يعرف ليس فقط ما تبيعه جنرال موتورز للموزعين بل وما يباع من الحصص المخصصة لهم. وقد ساعدت هذه الزيارات سلون على أن يدرك في أواخر العشرينيات أن الأعمال في مجال السيارات آخذة في التغيير؛ فالسيارات المستعملة باتت الآن وسيلة المواصلات الأساسية، وبات المشترون من ذوي الدخل المتوسط يبتاعون سيارات جديدة أفخر بفضل نظم البيع بالتقسيط والمقايضة الجزئية [شراء سيارات جديدة بقديمة مع دفع الفرق]. أدرك سلون أن هذا التغيير يعني أن لب علاقة جنرال موتورز بالموزعيين يجب أن يتغير أيضاً بانتقال الأعمال في مجال السيارات من مسألة بيع إلى متاجرة. لقد بات على الصانع والموزع تطوير علاقة أشبه بالشراكة. قام سلون بإنشاء مجلس موزعين يتقابل بانتظام مع كبار تنفيذيي جنرال موتورز بمقر الشركة، كما أنشأ هيئة لشؤون الموزعين تتولى شكاوى المزعين وأجرى دراسات اقتصادية لتحديد أفضل المواقع لإقامة مراكز توزيع جديدة، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك بإرساء سياسة مفادها المجازفة بتمويل أكفاء الرجال ممن لم يكن لديهم رأس مال جاهز لإنشاء مراكز توزيع.
بيد أن المعلومات الدقيقة بشأن المبيعات ظلت عسيرة المنال؛ فقد كانت أرقام مبيعات جنزال موتورز غير متسقة وغير مستحدثة وناقصة. كتب سلون: "عندما كان الموقف الربحي للموزع يعتل لم يكن أمامنا سبيل لمعرفة ما إذا كان ذلك بسبب مشكلة سيارة جديدة أم مشكلة سيارة مستعملة أم مشكلة خدمة أم مشكلة قطع غيار أم مشكلة أخرى. وبدون حقائق كهذه كان من المستحيل وضع أي سياسة توزيع سليمة موضع التنفيذ." قال سلون إنه كان على استعداد لأن يدفع "مبلغاً ضخماً" ويحس بأنه "محق تماماً في ذلك" إذا كان كل موزع "يستطيع معرفة الحقائق المتعلقة بأعماله ويتعامل مع التفاصيل العديدة… بطريقة ذكية". كان سلون يعتقد أن مساعدة الموزعين في مسائل المعلومات هذه "سيكون أفضل استثمار قامت به جنرال موتورز إطلاقاً".
من أجل مواجهة هذه الإحتياجات وضع سلون نظاماً قياسياً للمحاسبة على نطاق جنرال موتورز وكل مراكز توزيعها. والكلمة المهمة هنا هي كلمة "قياسي"؛ فكل موزع وكل مستدخَم على كل مستوى في الشركة كان يصنِّف الأرقام بنفس الطريقة تماماً. وبحلول منتصف الثلاثينيات بات بوسع موزعي جنرال موتورز وأقسامها الخاصة بالسيارات ومكاتبها الرئيسية اأن تقوم جميعاً بتحليل مالي مفصَّل باستعمال نفس الأرقام. فمثلاً كان باستطاعة مركز للتوزيع أن يقيس ليس فقط أداءه هو بل أداءه إزاء متوسطات المجموعات الأخرى.
لقد كان من شأن بنية تحتية أتاحت معلومات دقيقة أن أدت إلى مؤسسة متجاوبة لم تستطع الشركات الأخرى لصناعة السيارات أن تدانيها مثيلاً لعقود من الزمان. ساهمت تلك البنية التحتية، التي أسميها "جهاز الشركة العصبي"، في هيمنة جنرال موتورز على صناعة السيارات طوال حياة سلون المهنية. ولم تكن حينذاك رقمية بعدُ إلا أنها كانت ثمينة للغاية. كانت معرفة مخزون الموزع أمراً تجيده جنرال موتورز أكثر من غيرها، وقد نالت جنرال موتورز مزية تنافسية هائلة من استغلال تلك المعلومات. وتجاوزت هذه الاستفادة من المعلومات جدران جنرال موتورز؛ فقد استعملت جنرال موتورز نظم معلومات كُتيبية لبناء أول "اكسترانيت"ـ شبكة تربط الشركة بمورديها وموزعيها.
بالطبع لم يكن في إمكانك الحصول على معلومات تتدفق خلال شركتك آنذاك بمثل الكم الذي يمكنك الحصول عليه الآن؛ فالأمر كان سيقتضي مكالمات هاتفية جد كثيرة وأناساً جد كثيرين يتناقلون أوراقاً وينكبون على سجلات ورقية محاولين الربط بين البيانات والعثور على الأنماط. كان ذلك سيكلف باهظاً. وإذا أردتَ اليوم إدارة شركة ذات مستوى عالمي فعليك أن تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير وتنجز بأسرع من ذلك بكثير. إن الإدارة بقوة الحقائق ـ والتي هو أحد أساسيات الأعمال لدى سلون ـ تتطلب تقنية المعلومات. لقد تغير تغييراً درامياً ما تطيق الشركات القيام به وما ترى أنه يستحق القيام به وما بمقدورها تنافسياً القيام به.
تستعمل جنرال موتورز الآن تقنية الحاسوب الشخصي ومقاييس الإنترنت للاتصال بعملائها؛ فحلها المتمثل في منظومتها المسماة "جي ام أكسس" يستعمل شبكة للشركة واسعة النطاق تستخدم الأقمار الصناعية للتعامل بين مقر الشركة ومصانعها وموزعيها البالغ عددهم 9000، والذين لديهم أجهزة متصلةعلى الخط الإلكتروني ((online لأغراض الإدارة المالية والتخطيط التشغيلي بما في ذلك إدارة الطلبات الإجمالية وتحليل المبيعات والتنبؤ بها. وتقوم أداة بيع تفاعلية بالجمع بين سمات المنتجات ومواصفاتها وتسعيرها وغيرها من المعلومات. ويحظى فنيو خدمة المنتجات بوصول فوري إلى أحدث المعلومات عن المنتجات وقطع الغيار من خلال كتيبات الخدمة الإلكترونية والنشرات الفنية وتخطيط قطع الغيار وإعداد تقارير المخزون على الخط الحاسوبي. يربط البريد الإلكتروني الموزعين بمقر جنرال موتورز ومصنعها وببعضهم بعضاً. يتم دمج الحل الذي يأتي به الموزع الخاص في موقع جنرال موتورز العام على الإنترنت حيث يجد العملاء معلومات تفصيلية عن السيارات. توفر تقنيات الإنترنت الأساس لتحول جوهري في الطريقة التي بها يتسوّق المستهلكون السيارات، فلا غرو أنهم يضعون جنرال موتورز كهدف للتجارة الإلكترونية. وبالطبع عمدت شركات صناعة السيارات الأخرى كذلك إلى تحسين أنظمة معلوماتها؛ فتويوتا تحديداً استخدمت تقنية المعلومات لتطوير انتاج صناعي على مستوى عالمي.
تمييز شركتك في عصر المعلومات
إذا كانت إدارة المعلومات واستجابة المؤسسة قد أحدثتا مثل هذا الاختلاف في صناعة تقليدية من ذات المداخن قبل سبعين سنة فأي تمييز أكثر ستُحدثانه مدفوعتين بالتقنية؟ قد يكون لأي شركة حديثة لصناعة السيارات اسم تجاري قوي وسمعة لنوعية جيدة في يومنا هذا ولكنها تواجه منافسة أكبر فأكبر على امتداد العالم. إن كل شركات صناعة السيارات تستعمل نفس الصلب ولها نفس آلات الثقب وتقريباً طرق انتاج متماثلة كما أن لها نفس تكاليف النقل. تقوم الشركات الصانعة للسيارات بتمييز أنفسها عن غيرها بمجموع من العوامل تتمثل في مدى جودة تصميمها لمنتجاتها ومدى ذكائها في استغلال التذية المرتدة من العملاء لتحسين منتجاتها وخدماتها ومدى سرعتها في تحسين عملياتها الانتاجية ومدى مهارتها في تسويق منتجاتها ومدى كفاءتها في التوزيع وفي إدارة مخزوناتها.. وكل هذه العمليات الغنية بالمعلومات تستفيد من العمليات الرقمية.
تتجلى قيمة النهج الرقمي بصفة خاصة في الأعمال المتركزة حول المعلومات مثل المصارف وشركات التأمين؛ ففي مجال المصارف نجد أن البيانات الخاصة بعلاقات العملاء وتحليل الاعتمادات هي في قلب العمل المصرفي وقد ظلت المصارف دائماً أكبر مستخدمي تقنية المعلومات في عصر الإنترنت، ولكن في عصر الإنترنت والتحرير المتزايد للأسواق المالية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق